فصل: (سورة الأنعام: آية 92)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: الآيات 88- 90]

{ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْمًا لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90)}.

.الإعراب:

{ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} كلام مستأنف مسوق لبيان ما أشير إليه، وهو إما الاجتباء وإما الهداية. وذلك اسم إشارة مبتدأ، وهدى اللّه خبر، وجملة يهدي حالية أو خبر ثان، ويجوز إعراب هدى اللّه بدلا من اسم الإشارة وجملة يهدي خبر، وبه جار ومجرور متعلقان بيهدي، ومن اسم موصول مفعول به، وجملة يشاء صلة الموصول، ومن عباده جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من اسم الموصول {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} الواو حالية، ولو شرطية، وأشركوا فعل وفاعل، وهو فعل الشّرط، واللام واقعة في جواب الشرط، وجملة حبط لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وعنهم جار ومجرور متعلقان بحبط، وما اسم موصول فاعل، وجملة كانوا صلة الموصول، وجملة يعملون خبر كانوا {أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} الجملة مستأنفة، وأولئك اسم إشارة مبتدأ والإشارة إلى الأنبياء الثمانية عشر المذكورين والذين خبر اسم الإشارة، وجملة آتيناهم صلة الموصول، والكتاب مفعول به ثان، وما بعده عطف عليه {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْمًا لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ} الفاء استئنافية، وإن شرطية، ويكفر فعل الشرط، وبها جار ومجرور متعلقان بيكفر، وهؤلاء فاعل، والإشارة إلى أهل مكة الذين أرسل محمد عليه الصلاة والسلام لهدايتهم، فقد الفاء رابطة لجواب الشرط، وقد حرف تحقيق، ووكلنا فعل وفاعل، وبها جار ومجرور متعلقان بوكلنا، وقوما مفعول به، وجملة ليسوا صفة، وبها جار ومجرور متعلقان بكافرين، والباء حرف جر زائد، وكافرين مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليسوا {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} الجملة مستأنفة، وأولئك مبتدأ، أي الأنبياء المذكورون، والذين اسم موصول في محل رفع خبر، وجملة هدى اللّه صلة، فبهداهم الفاء الفصيحة، أي إذا شئت سلوك الطريق القويم والارتفاع إلى أسمى المسئوليّات فاقتد بهداهم، وقد جمع اللّه له خصائص الأنبياء الكبرى التي كانت متوزعة عليهم، اقتد فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والهاء للسكت. وقد تقدّم بحثها والجملة الواقعة بعد الفاء الفصيحة جواب شرط لا محل لها {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ} جملة قل مستأنفه، وجملة لا أسألكم في محل نصب مقول القول، وعليه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، والضمير في {عليه} يعود على التبليغ المفهوم من سياق الكلام، وأجرا مفعول به ثان لأسألكم، وإن نافية، وهو مبتدأ، وإلا أداة حصر، وذكرى خبر، وللعالمين جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة. وجملة إن هو إلا ذكرى استئنافية.

.[سورة الأنعام: آية 91]

{وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}.

.الإعراب:

{وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} كلام مستأنف مسوق للرّد على اليهود الذين قالوا ما يأتي مما ينسجم مع طبعهم الأصيل في التّعنّت والملاحاة. وما نافية، وقدروا اللّه فعل وفاعل ومفعوله، وحق قدره مفعول مطلق، والأصل: قدره الحقّ، ثم أضيفت الصّفة إلى الموصوف، يقال: قدر الشيء إذا سبره وحزره ليعرف مقداره ومداه، ثم استعمل في صفة الشّيء {إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بقدروا، وجملة قالوا: في محل جر بالإضافة، والقائلون هم اليهود، فلم تكن ثمّة مندوحة عن إلزامهم ما لابد لهم من الإقرار به من إنزال التّوراة على موسى، وأدرج تحت إلزامهم تبويخهم والانحناء عليهم باللائمة، ووصمهم بالغباء المفرط والجهالة الرعناء، وجملة ما أنزل اللّه في محل نصب مقول القول، ومن حرف جر زائد، وشيء مجرور لفظا مفعول به منصوب محلا، {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ} الجملة مستأنفة مسوقة للرّد عليهم وإسقاطهم في حضيض المذلة. ومن اسم استفهام مبتدأ، وجملة أنزل الكتاب خبر، والذي اسم موصول صفة للكتاب، وجملة جاء به موسى صلة، ونورا منصوب على الحال، وهدى عطف على: نورا وللناس جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لهدى {تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} الجملة حالية من الكتاب، أو من الضمير في به، وتجعلونه فعل وفاعل ومفعول به أول، وقراطيس مفعول به ثان، نزلوه منزلة القراطيس، وقد تقدم القول في القرطاس، وجملة تبدونها في محل نصب صفة ل {قراطيس}، وجملة وتخفون كثيرا عطف على جملة تبدونها، وكثيرا مفعول به ل {تخفون} {وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ} الواو عاطفة، وجملة علمتم عطف على جملة تجعلونه في نطاق الحال، وعلمتم فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به ثاني. وجملة لم تعلموا صلة الموصول، وأنتم تأكيد للفاعل وهو الواو في: {لم تعلموا} ولا الواو حرف عطف، وآباؤكم عطف على قوله: {أنتم}. {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} الجملة مستأنفة مسوقة لمتابعة الرّدّ عليهم، واللّه مبتدأ حذف خبره، أو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: اللّه أنزله، أو وهو اللّه، ثم حرف عطف، وذرهم فعل أمر أمات العرب ماضيه، وفي خوضهم جار ومجرور متعلقان بذرهم، أو بيلعبون أو بمحذوف حال، وجملة يلعبون في محل نصب على الحال من مفعول ذرهم.

.[سورة الأنعام: آية 92]

{وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92)}.

.اللغة:

{أُمَّ الْقُرى} سميت مكة أم القرى لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا.
وأنشد الزمخشري لبعض المجاورين، ولعله يريد نفسه، فهو من نظمه:
فمن يلق في بعض القريّات رحله ** فأمّ القرى ملقى رحالي ومنتابي

.الإعراب:

{وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} الواو استئنافية، وهذا اسم اشارة مبتدأ، وكتاب خبره، وجملة أنزلناه في محل رفع صفة أولى ل {كتاب}، ومبارك صفة ثانية، ومصدق صفة ثالثة، والذي اسم موصول في محل جر بالإضافة، والظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، ويديه مضاف إليه {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها} الواو عاطفة واللام للتعليل، وتنذر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والجار والمجرور متعلقان بأنزلناه، أي: أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدّمه من الكتب وأم القرى مفعول به ومن عطف على أم القرى، وحولها ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ} الواو استئنافية، والذين اسم موصول مبتدأ، وجملة يؤمنون بالآخرة صلة الموصول، وجملة يؤمنون به خبر، ويجوز أن تكون الواو عاطفة، والذين اسم موصول معطوف على أم القرى، أي: لتنذر أهل أم القرى ولتنذر الذين آمنوا، فتكون جملة يؤمنون الثانية حالا من الموصول، والواو حالية، وهم مبتدأ، وجملة يحافظون خبر، والجملة نصب على الحال.

.البلاغة:

جاء بالصفة الأولى فعلية، وهي جملة أنزلناه، لأن الإنزال يتجدد وقتا بعد وقت، على حد قوله:
وقال رائدهم: أرسو نزاولها ** فحتف كل امرئ يجري بمقدار

ووقعت الصفة الثانية اسما، وكذلك الثالثة، للدّلالة على الثبوت والاستمرار وديمومة البركة.

.[سورة الأنعام: آية 93]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}.

.اللغة:

{غَمَراتِ الْمَوْتِ}: شدائده وسكراته، والغمرات: جمع غمرة، وهي الشدة الفظيعة، من غمره الماء إذا ستره، وفي المختار: وقد غمره الماء أي علاه وبابه نصر، والغمرة: الشدة، والجمع غمر، كنوبة ونوب، وغمرات الموت شدائده. ومن غريب أمر اشتقاق هذه الأحرف الثلاثة- وهي الغين والميم والرّاء- أنك تعقد على تراكيبها معنى واحدا يجمع تلك التراكيب وما تصرّف منها، فلهذه الأحرف ستة تراكيب وهي: غمر وغرم ومرغ ومغر ورغم ورمغ، ويجمعها معنى واحد وهو التغطية والستر والإخفاء وإزالة الأثر.
وفي اجتماع الغين والميم فاء وعينا معنى التغطية تقول: سيف مغمود ومغمد، أي موضوع في غمده، وتغمّده اللّه برحمته أي: ستره، والغمز معروف، تقول: ما فيه مغمز ولا غميزة أي: أمر مغطّى معاب، وله جارية غمّازة أي: حسنة الغمز للأعضاء، وغمسه في الماء فانغمس واغتمس أي: أخفاه فيه، وغمس النجم غموسا غاب، ومه اليمين الغموس لشدتها، وغمض الأمر: خفي، وكلام غامض: غير واضح، وغمط النعمة: احتقرها ولم يشكرها، وغمّ الشيء إذا غطّاه.
{الْهُونِ}: بضم الهاء: مصدرها هوانا وهونا، أي: ذلّ، والعرب إذا أرادت بالهون معنى الهوان ضمّت الهاء، وإذا أرادت به الرفق والدّعة وخفّة المئونة فتحت الهاء، فقالوا: هو قليل هون المئونة.

.الإعراب:

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الواو استئنافية، والكلام مستأنف مسوق لذكر بعض المتنبّئين ضلالة، ومن اسم استفهام يفيد معنى النفي، أي: لا أحد، في محل رفع مبتدأ، وأظلم خبره، وممّن جار ومجرور متعلقان بأظلم، وجملة افترى صلة الموصول، وعلى اللّه جار ومجرور متعلقان بافترى، وكذبا يجوز فيه أن يكون مفعولا به لفعل افترى، وأن يكون مصدرا على المعنى، أي افتراء، فيكون مفعولا مطلقا، وأن يكون مفعولا لأجله، وأن يكون مصدرا في موضع الحال {أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} أو حرف عطف، وقال عطف على افترى، وأوحي فعل ماض مبني للمجهول، وإليّ الجار والمجرور في موضع رفع على أنهما نائب فاعل أوحي، والواو حالية. وجملة لم يوح في موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل في قال، أو الياء في إليّ، وشيء نائب فاعل ل يوح {وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ} أو حرف عطف، ومن اسم موصول معطوف على المجرور ب من، أي: ممّن افترى، وجملة سأنزل في محل نصب مقول القول، ومثل: يجوز أن تكون منصوبة على أنها مفعول به، وما اسم موصول في محل جر بالإضافة، وجملة أنزل اللّه صلة الموصول، ويجوز أن تكون نعتا لمصدر محذوف، والتقدير سأنزل إنزالا مثل ما أنزل اللّه، وما على هذا الوجه مصدرية، وجملة أنزل اللّه لا محل لها لأنها وقعت بعد موصول حرفي {وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ} الواو استئنافية، ولو شرطية، وترى فعل مضارع شرطه لو، وجواب لو محذوف أي: لرأيت أمرا عظيما. وقد تقدمت نظائر لذلك. والرؤية بصرية، ومفعولها محذوف، أي: ولو ترى الظالمين إذ هم في غمرات الموت، وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بتري، والظالمون مبتدأ، وفي غمرات الموت جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {الظالمون}،، والجملة الاسمية في محل جر بالإضافة، والملائكة الواو حالية، والملائكة مبتدأ وباسطو خبر، وأيديهم مضاف اليه وهو مفعول به في المعنى، والجملة في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في الخبر، وهو في غمرات الموت {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} جملة أخرجوا أنفسكم منصوبة بقول مضمر، أي: يقولون لهم تعنيفا وتقريعا، وهذا القول في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في اسم الفاعل، وهو باسطو، وأنفسكم مفعول به، واليوم ظرف زمان منصوب متعلق بأخرجوا أو بتجزون، وجملة تجزون مستأنفة، وهو فعل مضارع مبني للمجهول، والواو نائب فاعل، وعذاب الهون مفعول به ثان، وبما الباء حرف جر، وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلقان بتجزون، أي: بسببه، وكان واسمها، وجملة تقولون خبر كنتم، وغير الحق نعت لمصدر محذوف، أي: تقولون القول غير الحق {وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} عطف على كنتم الأولى، داخلة في حيز صلة الموصول، وهو ما، وعن آياته جار ومجرور متعلقان بتستكبرون، وجملة تستكبرون خبر كنتم.

.البلاغة:

في قوله: {غمرات الموت} استعارة تصريحية تمثيلية، فقد استعار ما يغمر من الماء للشدة البالغة.

.[سورة الأنعام: آية 94]

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}.

.اللغة:

{فُرادى}: اختلف علماء اللغة في فرادى: هل هو جمع أم لا! والقائلون بأنه جمع اختلفوا في مفرده، فقال الفراء: فرادى جمع فرد وفريد وفردان، وقال ابن قتيبة: هو جمع فردان كسكران وسكارى وعجلان وعجالى، وقال قوم: هو جمع فريد كرديف وردافى، وأسير وأسارى، قاله الراغب. وقيل: هو اسم جمع لأن فردا لا يجمع على فرادى، وقول من قال: إنه جمع له، فإنما يريد في المعنى، ومعنى فرادى: فردا فردا.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الواو استئنافية، واللام جواب قسم محذوف، وجئتمونا فعل وفاعل ومفعول به، والواو لإشباع ضمة الميم التي هي علامة جمع الذكور وفرادى منصوب على الحال من التاء، أي فاعل جاء، وكما خلقناكم يصح في الكاف ومجرورها- وهو المصدر المؤوّل من ما المصدرية والفعل- أن تكون في محل نصب نعت لمصدر محذوف، أي: مجيئا مثل مجيئكم يوم خلقناكم أول مرة، وأن تكون في محل نصب على الحال من فاعل جئتمونا، وأول مرة منصوب على الظرفية الزمانية، والعامل فيه خلقناكم، ومرة في الأصل مصدر لمرّ يمرّ مرّة، ثم اتسع فيها فصارت زمانا {وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ} يجوز في الواو أن تكون استئنافية أو حالية، والجملة إما مستأنفة لا محل لها، أو في محل نصب على الحال من فاعل جئتمونا، بتقدير: قد، وتركتم فعل وفاعل، وترك هنا يجوز أن تتعدى لواحد لأنها بمعنى التخلية لا التصيير، أو بمعنى التصيير فتتعدى لمفعولين، أولهما ما الموصولية، والثاني الظرف، فيتعلق بمحذوف أي: وصيّرتم بالترك الذي خوّلناكموه كائنا وراء ظهوركم، وعلى الأول يتعلق الظرف بتركتم {وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ} الواو عاطفة، وما نافية، ونرى فعل مضارع مرفوع، ومعكم ظرف مكان متعلق بنرى، وشفعاءكم مفعول به، والذين نعت، وجملة زعمتم صلة الموصول، وأن وما في حيزها سد مسد مفعولي زعم، وأن واسمها، وفيكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشركاء وقدم عليه، وشركاء خبر أن {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} اللام جواب لقسم محذوف، وقد حرف تحقيق، وتقطع فعل ماض وفاعله مضمر يعود على الاتصال الذي تدل عليه لفظة {شركاء}، إذ يفهم منها الوصل، أي:
الارتباط والتعلق، والمعنى: لقد تقطع الاتصال بينكم، وقرئ بالرفع، وبينكم فاعل لأنه اسم غير ظرف، وهو من الأضداد يستعمل للوصل والفراق، أي: لقد تقطّع وصلكم. وضل الواو عاطفة، وضل فعل ماض، وعنكم جار ومجرور متعلقان بضل، وما اسم موصول فاعل، وجملة كنتم صلة الموصول، وجملة تزعمون خبر كنتم، ومفعولا تزعمون محذوفان، والتقدير: تزعمونهم شفعاء، وحذفا للدلالة عليهما، على حدّ قول الكميت:
بأي كتاب أم بأية سنّة ** ترى حبهم عارا عليّ وتحسب

أي: وتحسبه عارا.

.[سورة الأنعام: الآيات 95- 96]

{إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبانًا ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}.

.اللغة:

{فالِقُ} اسم فاعل من فلق، أي: شقّ الشيء، وفيده الراغب بإبانة بعضه عن بعض، أي: شاق الحبّ عن النبات، فيشق الجبة فيخرج منها ورق أخضر، ويشقّ النواة اليابسة فيخرج منها شجرة صاعدة في الهواء. والفرق بين الحب والنوى معروف، فالأول كالحنطة والشعير، والثاني كالخوخ والمشمش.
{تُؤْفَكُونَ}: تصرفون، أي: كيف تصرفون عن الإيمان.
{الْإِصْباحِ} بكسر الهمزة: مصدر سمي به الصبح، وقرئ بفتح الهمزة على أنه جمع صبح، قال:
أفنى رياحا وبني رياح ** تناسخ الإمساء والإصباح

وسيأتي المزيد من معناهما في باب البلاغة.
{حُسْبانًا}: بضم الحاء مصدر حسب الحساب، وتكسر هاؤه أيضا، والحساب العدّ.
{سَكَنًا} السكن: ما يسكن إليه من أهل ومال وغير ذلك، وهو مصدر سكنت إلى الشيء من باب طلب. قال أبو الطيب:
بم التّعلّل لا أهل ولا وطن ** ولا نديم ولا كأس ولا سكن

.الإعراب:

{إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} كلام مستأنف مسوق لذكر الدلائل على كمال قدرته تعالى، وأنه المبدع للأشياء. ومن كان هذا شأنه فهو المستحق للعبادة. وإن واسمها وخبرها، والحب مضاف لفالق، والإضافة غير محضة، على أنه بمعنى الحال أو الاستقبال، فيكون الحب مجرور اللفظ منصوب المحل، ويجوز أن تكون الإضافة محضة على أنه اسم فاعل بمعنى الماضي، لأن ذلك قد كان. والنوى عطف على الحب، وجملة يخرج الحي يجوز أن تكون مستأنفة، فلا محل لها، ويجوز أن تكون في محل رفع خبر ثان لإن، ومن الميت جار ومجرور متعلقان بيخرج، ومخرج عطف على فالق، أي: اللّه فالق ومخرج، ويجوز أن يعطف على يخرج، لممالأة الكلام بعضه لبعض، ولابد حينئذ من تأويل الفعل بالاسم ليصح عطف الاسم عليه أو بالعكس. ومن الحي جار ومجرور متعلقان بمخرج {ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} الكلام مستأنف مسوق لبيان أن اللّه هو فاعل ذلك كله، والفاء استئنافية، واسم الاشارة مبتدأ، واللّه خبره، والفاء استئنافية، وأنى اسم استفهام بمعنى كيف في محل نصب حال، وتؤفكون فعل مضارع مبني للمجهول، والواو نائب فاعل {فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} فالق الإصباح نعت للّه، والإصباح مضاف إليه، وجعل الواو عاطفة، جعل فعل ماض، والليل مفعوله الأول، وسكنا مفعوله الثاني، وفي قراءة ينسبونها إلى الجمهرة: {جاعل} بجر {الليل} بالإضافة مناسبة لقوله: {فالق الإصباح}، ولك أن تنصب سكنا على الحال {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبانًا} الواو عاطفة، والشمس عطف على الليل، وحسبانا عطف على سكنا، ولك أن تنصب حسبانا على نزع الخافض، والجار والمجرور في محل نصب على الحال، أي: يجريان بحسبان، وتدل عليه آية الرحمن كما سيأتي {ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الكلام مستأنف، واسم الاشارة مبتدأ، وتقدير خبره، والعزيز مضاف إليه، والعليم صفة.

.البلاغة:

انطوت هذه الآية على فنون رائعة من فنون البيان:
1- فن مخالفة الظاهر:
فقد جاءت {يخرج الحي من الميت} بالفعل، وكان الظاهر ورودها بصيغة اسم الفاعل، أسوة بأمثالها من الصفات المذكورة من قوله: {فالق الإصباح} و{مخرج الميت من الحي}، إلا أنه عدل عن اسم الفاعل إلى الفعل المضارع في هذا الوصف وحده، وهو قوله: {يخرج الحي من الميت} إرادة لتصوير إخراج الحيّ من الميت كالانسان والطائر من النطفة والبيضة، واستحضاره في ذهن السامع كأنه يشهده بعيان، وقد سبق التمثيل لهذا الفن بقوله: {ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} فعدل عن الماضي المطابق لقوله: {أنزل} لهذا المعنى. ولا شك في أن إخراج الحي من الميت أشهر في القدرة وأدل عليها من عكسه، والنظر أول ما يبدأ فيه كإخراج النطفة والبيضة من الحيوان.
2- فن الاشكال:
وقد تقدمت الاشارة إليه في آل عمران، والإشكال هنا مجيء {مخرج} على خلاف ما جاء عليه أمثاله، ولم يأت كما أتى في آل عمران: {وتخرج}، ولا كما جاء في يونس وكما جاء في الروم. وعلى هذا يرد السؤال التالي: ما النكتة التي أوجبت مجيء هذا المكان على ما جاء عليه مخالفا لأمثاله؟ والجواب الذي يتضح به هذا الإشكال أن يقال: إنما جاء توخيا لحسن الجوار في النظم، لأنه قال: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. والآية إنما سيقت للتمدّح بالقدرة المطلقة التي هي صفة ذاتية للّه تعالى، فكان التمدّح بها مع الإتيان بصيغة اسم الفاعل أبلغ من الإتيان بصيغة الفعل، لما يدل عليه اسم الفاعل من المضيّ المطلق الدالّ على القدم، فإن مجيء ذلك على ما جاء عليه يستفاد منه قدم القدرة، ويلزم من قدمها قدم الموصوف بها. ولما علم سبحانه أن تمدّحه بمجرد فلق الحب والنوى في بطن الأرض غير تام، لأنه لا ينتفع به حتى يخرج نباته إلى ظاهر الأرض، ويشاهد الناس قدرة مخرجه ومخترعه، وصار قوله: {ومخرج الميت من الحي} مكملا، وأتى في هذه الجملة باسم الفاعل، وهذا من المعاجز التي تتقطّع دونها الأعناق.
3- فن الاستعارة التمثيلية:
وذلك بقوله: {فالق الإصباح}، وخلاصتها أنه تعالى شبّه انشقاق عمود الفجر وانصداع الفجر بفلق الإصباح. وقد رمق الشعراء سماء هذه البلاغة، فقال أبو تمام وتلاعب بهذا المعنى:
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ** وأول الغيث قطر ثم ينسكب

يقول: إن أوائل الأمور تبدو قليلة، ثم تكثر، فينبغي الحرص من أول الأمر قبل بلوغ غايته. وأتبعه ببيت آية في الحسن فقال:
ومثل ذلك وجد العاشقين هوى ** بالمزح يبدو وبالإدمان ينتهب

ومن النقاد من ينسب هذين البيتين إلى ابن الرومي، يريد أن الوجد في أوله هوى وفي آخره نار.
4- تشبيه الليل بالسكن:
وفي تشبيه الليل بالسكن إعجاز يتجسد فيه عجز الإنسان، فالكلمة القرآنية في تعبيرها عن المعنى المراد تمتاز عن سائر مرادفاتها اللغوية بتطابق أتمّ من المعنى المراد، ومهما استبدلت بها غيرها لم يسدّ مسدّها، ولم يغن غناءها، ولم يؤدّ الصورة التي كانت تؤدّيها.
وانظر إلى طبيعة الأحرف التي تتكون منها كلمة {سكنا} وتوالي الفتحات على حروفها، كل ذلك يشعرك بذلك الهدوء الذي يبعث على الطمأنينة، وينشر الراحة في النفس.